منوعات

محمد حامد جمعة يكتب:- وزلفا من الليل

محمد حامد جمعة يكتب:-

وزلفا من الليل

 

قضيت غالب يومي من الهاجرة إلى العصر صعودا إلى زلف الليل في تطواف واسع في أمدرمان القديمة لمطالع شارع العرضة قبل أن ارتد شمالا إلى ود البخيت . طفت بين مواجبات وزيارات . وبعض تسكع وكثير تحسس للفواكه النضيرة . وتوقفت عن تل(طماطم) ذعرت حينما قال لي البائع أن سعر الكيلو ثمانية ألف جنيه ! فإختبرت رشاقة المساومة وانا اقول غالية ياخ ثم طلبت نصف كيلو فرمى الصبي ما أظنه ثلاثة قطع ثم صرها يخنق الكيس الأسود فقلت مرتبعا يا زول دا شنو ! ما عاوز ! كنت تسوقه لحافة هواية (الفصال) فردني الفتى بأنه لن يبيع فإنصرفت عنه أرجو أن يلاحقني برجاء التوسل لكنه لم يفعل . لمحته يرش منثور ماء قراح على تل الخضار يرمقني بغيظ على الأغلب تلا عليه قول الشاعر محمود درويش
أيها المارون بين الكلمات العابرة كالغبار المر مروا أينما شئتم ولكن لا تمروا بيننا كالحشرات الطائرة !
2
في (السيوبر ماركت) الكبير عن إنفتاح شارع حاكم للتجار والباعة والزبائن لاحظت بشكل لم يغيب عني كثافة في المتسولين من أعمار شتى ! نظرتي الفاحصة لم تغب عنها ملاحظة وصف صديق المجتبى (معسرون وطبعهم نبيل) لم يكونوا من أهل الإحتراف . لا محياهم لا ترددهم القاتل في السؤال يدل على تصنع قدر ما أنه ضغط الظرف والحال . وقد راقني وطيب نفسي غياب فظاظة الصد ؛ وعلى إرهاق الأمر بتعادل الأحوال فقد انتبهت عن كل من يستوقفه سائل وسائلة يمنح ما تيسر فإن غلبه الأمر إنصرف على طيب الخاطر بالدعاء ؛ لبرهة لاحظت أن المسؤول ممن لا يعطي يذهب وقدماه تضطرب من الحزن العامر بالنوايا تحت سقف العين بصيرة واليد قصيرة !
دخلت وجلت في السيوبر ماركت ؛ كان واضحا أن المنتجات الوطنية لحقت تصنيف منتخباتنا الوطنية في كرة القدم ! تراجعت لحد الإختفاء لصالح معجنات وهتش ومعلبات وافدة . لاحظت بشكل غريب لأول مرة زاوية لبيع (الكوارع) في حالتها الخام ولها حشد من المشترين ! تنقبض قلبي حينما أتت سيدة وتحت أطراف ثوبها طفل سألت الجزار في ركن المكان إن كان يبيع عظاما ! نعم (عضام) ! إرتبك البائع للحظة ثم إعتذر فهمت بالإنصراف . تخاطفتها همساتنا . معي بعض الشهود . اختنا شيلي ما ترغبين ! ونحن نقضي عنك ! كانت كأنها لم تسمع وخرجت ! وددت لحظتها لو أن السقف خسف بي البلاط من الحزن ! حملت بعض (جبني) ومن الأجبان وجبني المعنوي . حينما هممت بالخروج طلبت من البلئع أن يمنحني غطاء غامق . شعرت اني قد أجرح كبرياء جائع ! إن خرجت بها بيضاء ظاهرة ! تخيرت أن أدسها لكي لا أهين ظرف مطرق على حافة المكان وجائع
3
الناس يعانون لكنهم رغم هذا يتكافلون . مررت بالزميل عثمان الجندي في تكوينه بعض النسوة يرسمن بالعجين تلك الكسرة المرة .عثمان هذا يطرق أبواب الجنان . هو من معه من رجال مثلهم مئات اغرب ما فيهم أنهم يتلقون الدعم القليل من كل الفئات الا من رجال الأعمال والبزنس الذين إتضح أنهم في هذه البلاد في مقام شيلوك وصاحبه ! يحصلون على اللحم والدم ولا يمنحون وطنهم حتى في نكبته الا التجاهل
4
في زلفة الليل الاولى حضرت نقاش صديق مع بعض أقاربه لتدبير شأن عملية جراحية لقريب لهم قضمته قذيفة ! مارس (المهل) ذاك الكبرياء البدوي عند (القريات) رفض أن يقبل عون معين . تطاير الحلف والطلاقات ! اجلسته وانا أقسم عليه فهدأ . رغم اني كدت امسح عيناه بدمع تحدر عليه ونحن نتحلق هذا يضيف وذاك يطلب رقم الحساب وثالث يتبرع بإستضافة للمصاب في شقته وكلنا أو أغلبنا لا يعرف المصاب ولم يره ! وفي الحاضرين من لا يمت للجمع بصلة ورحم .
5
حياتنا ليست يسيرة لكنها جميلة ؛ وتمضي بنا . أظن أن أغلبنا تجاوز محن الحرب ! لاني في الزلفة الثانية من الليل حينما طلبت القهوة من بائعة شاي مسنة أتت ابنتها تحمل جذاذات اوراق ؛ قالت يا أستاذ عندنا قرعة صندوق .إسحب ورقة ! لاحظت أن رفيقات العجوز وزميلاتها يرمقن نحوي .سحبت ورقة ثم قرأت بعد صمت تصنعته قتلهم بالضحك صحت (زينب) فصاحت الصغيرة كان ذاك أسم امها . سعيدة الحظ . شعرت بها ترغب في إحتضاني غير أنها رأت برهان الحياء . انصرفت لهاتفي قبل أن تعود إلي الصغيرة تهمس قهوتك علينا الصندوق وقع لامي . ثم أضافت بصوت جاد . أسمع ارقعك بخمسة الف حلاوة يا عمي ! ضحكت وقلت الله يكرمك يا بنتي ربنا يحفظك ويكمل عليك رزقك الحلال ساقبل القهوة المجانية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى